الثلاثاء، 31 مايو 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} "الصف"

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا الخطابللمؤمنين:

أولاً: لأنهم الذين تنفعهم الذكرى.
ثانيًا: لتطهيرهم وتزكيتهم من الأخلاق السيئة.
قال القرطبي: "جاءالاستفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لايفعله، أما إن كان ذلك في الماضي، فإنه يكون كذبًا، وأما في المستقبل، فيكون ذلكإخلافًا بالوعد، وكلاهما مذمومٌ"
قال ابن عباس - رضيالله عنه -: "كان ناسٌ من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا
أن الله - عز وجل - دلَّنا على أحبِّ الأعمال إليه فلنعمل بها ، فأخبرالله نبيَّه أن أحبَّ الأعمال إليه: إيمانٌ لا شَكَّ فيه، وجهاد أهلمعصيته، فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناسٌ من المؤمنين، وشقَّ ذلك عليهم، فأنزل الله الآية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ
،وهذا اختيارُ ابن جرير - رحمه الله.
قال الشيخ عبد الرحمن بنسعدي - رحمه الله -:
"قوله تعالى : {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}
؛ أي: لم تقولون
الخير، وتحثُّون عليه، وربما تَمَدَّحْتُم به، وأنتم لا تفعلونه،وتنهون عن الشرِّ، وربما نزَّهتم أنفسكمعنه، وأنتم متلوِّثون متَّصفونبه؟! ولهذا ينبغي للآمِر بالخير أن يكون أوَّل الناس مُبَادرةً إليه،والنَّاهي عن الشرِّ أن يكون أبعدَ الناس عنه". اهـ[3].
عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -: أنه سمع النبي - صلىالله عليه وسلم - يقول: ((يُجاءبالرَّجُل يوم القيامة، فيُلقى في النار،فتندلق أَقْتَابُه[4]، فيدور بها كما يدور الحمار برَحاه، فيجتمع
أهلالنار عليه؛ فيقولون: أي فلان، ما شأنُك؟ أليس كنتَ تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عنالمنكر؟!
فيقول: كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه))



وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلىالله عليه وسلم - قال: ((مررتُ ليلة أُسريَ بي على قومٍ تُقرَض شفاهُهم بمقاريضَ[6] من نارٍ؛ فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟! قال: خطباءٌ من أمَّتِكَ، يقولون ما لايفعلون))

قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَنتَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ
قَال الرَّاغب: "المَقْتُ: هو البُغْض الشَّديد لِمَنْ تراه فَعَل القبيح[8]؛ كما في قوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَانَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً}"لنساء: 22"


قال النَّخَعيُّ: "ثلاثُ آياتٍ منعتني أن أقُصَّ على الناس: قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}، وقول شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ}،
وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوالِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}"



قال إبراهيم التَّيْمِيُّرحمه الله -: "ما عرضتُ قولي على عملي؛ إلا خشيتُ أن أكون مُكَذِّبًا"
ومن فوائد الآيتين الكريمتين:
أولاً: استدلَّ بها بعض أهل العلم على وجوب الوفاء بالوعد

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حَدَّث كذب، وإذا وَعَد أخلف، وإذا اؤتمن خان))
قال ابن حجر: "أصل الدِّيانة منحصرٌ في ثلاثٍ: القول،والفعل، والنية، فنبَّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخَلْف".
عن عبدالله بن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا صبيٌّ، فذهبتُ لأخرج لألعب،فقالت أمي: يا عبدالله، تعال أُعْطِكَ؛ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنَّكِ لو لم تفعلي، كُتِبَتْ عليك كذبةً))

ثانيًا: إن العلم قرين العمل؛ ولذلك يسأل المرء يوم القيامة عن علمه: ماذا عملبه؟
جاء في حديث أبي بَرْزَة الأَسْلَمي - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لاتزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن علمه: فيمَ فعل؟ وعن ماله: من
أين أكتسبه، وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعن جسمه: فيمَ أبلاه؟))

وعن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَثَلُ الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كَمَثَل السِّراج: يُضيء للناس، ويحرق نفسَه))
قال شيخ الإسلام ابنتيميَّة - رحمه الله -: أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة: عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه، فذنبُه من جنس ذنب اليهود.

ثالثًا: أن الله - عزَّوجلَّ - نهى المؤمن أن يقول ما لا يفعل؛ لكن لو كان المؤمن مُقَصِّرًا في طاعة الله، مرتكبًا لبعض المعاصي - فإن ذلك لا يُسقِط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍفَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} المائدة: 78 79.
وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ - رضي الله عنه -: أن النبي - صلىالله عليه وسلم - قال: ((مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان))
كان الحسن - رضي الله عنه - إذا نهى عن شيءٍ لا يأتيه أصلاً، وإذا أمر بشيءٍ كان شديد الأَخْذ به، وهكذا تكون الحكمة.
قال أبو الأسود الدُّؤلي:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَافَعَلْتَ عَظِيمُ


ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَاانْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ


فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى بِالْعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
يقول الامام الشافعى رحمه الله تعالى
ياواعظا للناس عما انت فاعله
يامن يعد عليه العمر بالنفس
احفظ لشيبك من عيب يدنسه
ان البياض قليل الحمل للد
كحامل لثياب الناس يغسلها
وثوبه غارق فى الرجس والنجس
تبغى النجاة ولم تملك طريقتها
ان السفينة لا تجرى على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على
ما كنت تركب من بغل ومن فرس
يوم القيامة لا مال ولا ولد
وظمة القبر تنسى ليلة العرس
في الختام لا أسألكم إلا الدعاء لي ولكافة المسلمين بالهدايا
اللهم أني بلغت اللهم فشهد

ليست هناك تعليقات: