الاثنين، 24 أكتوبر 2011

إلى حافظات القرآن

ترنّميْ في خشوعٍ بالتلاواتِ وأسمِعي الكونَ آياتٍ .. وآياتِ
ورَدّديها بصوتٍ منكِ ذِيْ شجَنٍ عَذبٍ رخيمٍ يهزُّ المُعرض العاتي
هيّا، أفيضي علينا مِن فرائدهِ ومِن كنوزِ المثاني والهُدى هاتي[1]
وإذا ختمتِ القرآن حفظاً، واجتهدتِ للإفادة منه في حياتك.. فسيقال لكِ يومها:

اقرئي وارقَي.. ورتليْ كما كنتَ ترتلين في الدنيا.. فإنّ منزلتك عندَ آخرِ آيةٍ تقرئينها..!

أخـتي المؤمنة،
إن خير ما يُتكلَّم فيه هو: القرآنُ الكريم..

وهل من معجزة أعظم من هذه المعجزة "القرآن" الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه؟

وهل من نِعمة أغلى من أن يلبس والداك تاجاً من نور يوم القيامة، بفضل الله ثم بحفظك لكتابه؟!


اقرَئيْ وارقَيْ.. أُخيّهْ للفَراديسِ العَليّهْ
واحمَديْ اللهَ.. فقدْ حُزْ تِ على أغلى هديَّهْ

يبتهج الشعراء الإسلاميون في قصائدهم بتيجان النور في بيوتهم وفي دُور حِفظ القرآن الكريم..

فيقول الأستاذ إبراهيم محمد السبيل:
أمَلٌ تحققَ يا "أمَلْ" أعظِمْ بذلكَ مِن أمَلْ
ملأَ الفؤادَ بنورهِ نُورٌ مِن المولى اكتمَلْ
أكرمْ بقلبٍ يحملُ الـ ـقُرآنَ أعظمَ ما نزَلْ
طوبَى لعقلٍ يجعلُ الـ ـقرآنَ أكرمَ ما عقَلْ
فلتهنَئي، ولتَسعَدي ولْيقبلِ اللهُ العمَل[2]


إن في تعلّم القرآن الكريم وتعليمه وتدبر معانيه وحفظه ومعرفة القراءات وتفسير الآيات.. في ذلك أجرٌ عظيم، دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "خيرُكمْ مَن تعلّمَ القرآنَ وعلّمَهُ).
وفي ذلك يقول الشاعر الإسلامي حبيب بن معلاّ اللويحق؛ مقتبِساً من أنوار القرآن:


فخيرُنا مَن تعلّمْ هذا الكِتابَ، وعلَّمْ
ورتّلَ الذِّكرَ دَوماً بِآيِهِ يترنّمْ[3]

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] ندوة "المرأة المسلمة والحضارة"، ص31.
[2] نقوش على صفحة المجتمع، مكتبة العبيكان، 1417هـ.
[3] أغاريد شذا، ص 8.




السبت، 15 أكتوبر 2011

السخرية بالناس واحتقارهم

الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:
فإن من الصفات الذميمة التي ذمها الله ورسوله السخرية بالناس واحتقارهم، قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، والويل: كلمة تهديد ووعيد لمن كانت هذه صفاته، قال المعلمي رحمه الله: الهمز هو السخرية من الناس بالإشارة؛ كتحريك اليد قرب الرأس إشارة إلى الوصف بالجنون، أو الإشارة بالعين رمزاً للاستخفاف أو نحو ذلك.

واللمز: هو السخرية من الناس بالقول، كتسمية الشخص باسم يدل على عاهة فيه أو مرض، أو اتهامه بخليقة سيئة، أو التعريض بذلك.ا هـ[1].
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ [الحجرات: 11].

قال الطبري رحمه الله: «إن الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض بجميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك»[2]، وقال أيضاً في قوله تعالى: ﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ [الحجرات: 11]: «أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله - تعالى ذكره - نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمَّ الله بنهيه ذلك ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها»[3].

روى أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا- قال غير مسدد: تعني قصيرة- فقال:«لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» قالت: وحكيت له إنساناً فقال: «ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا»[4].

وروى البخاري في صحيحه من حديث المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم»[5]، والسخرية بالناس من سمات الكفار والمنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79].

قال ابن كثير رحمه الله: «هذه أيضاً من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى المتصدقون لا يسلمون منهم، إن جاء أحدهم بمالٍ كثير قالوا: مُراءٍ، وإن جاء بقليل قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا»[6].اهـ.

والسخرية تميت القلب وتورثه الغفلة، حتى إذا كان يوم القيامة ندم الساخر وتحسر على فعله، قال تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].

والسخرية من الناس عاقبتها وخيمة في الدنيا والآخرة، في الدنيا قد يبتلى الساخر بمثل ما سخر به، وفي الآخرة عذاب الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴾ [المطففين: 29- 31].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ﴾ [الأحزاب: 58].

والساخر بعيد عن ربه قريب من الشيطان، قال تعالى عن الكفار: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 109- 111].

قال القرطبي: «يستفاد من هذا التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين، والاحتقار لهم والإزراء عليهم، والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل»[7].

ومما تقَّدم، يتبيَّن لنا أن السخرية بالناس ذنب عظيم، منافٍ للدّين والمروءة والأدب.

ومن صور هذا الاستهزاء في وقتنا المعاصر:
السخرية بالعلماء والمشايخ، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وغيرهم من أهل الصلاح والخير، ولمزهم بالألقاب السيئة، وتأليف القصص المكذوبة التي تسمَّى النكت عليهم، وقد نص بعض أهل العلم على أن الساخر من العلماء أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إذا كان يسخر منهم لدينهم لا لذاتهم، فإن هذا من الكفر المخرج من دائرة الإسلام، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65].

ومنها السخرية بالعمال المقيمين في هذه البلاد، أو الفقراء وضعفة الناس، واحتقارهم؛ لأن هذا من الجنسية أو البلد الفلاني، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل رضي الله عنه قال: مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ما تقولون في هذا؟» قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يُشفع، وإن قال أن يُستمع، قال: ثم سكت، فمرَّ رجل من فقراء المسلمين، فقال:«ما تقولون في هذا؟» قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يُستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هذا خير من ملء الأرض مثل هذا»[8]، وما يدري هذا الساخر لعل الذي سخر منه خير وأتقى لله منه!، قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

قال محمود الغزنوي
فلا تحقرن خلقاً من الناس عله
ولي إله العالمين وما تدري
فذو القدر عند الله خاف عن الورى
كما خفيت عن علمهم ليلة القدر
ومنها السخرية بالجيران والأصدقاء والأقارب، وقد يكون الحامل على هذه السخرية والاحتقار هو الحسد، فقد يبرز بعض الناس عند أقاربه أو أصدقائه بتجارة أو علم أو دراسة فيسخرون منه، ويلمزونه في المجالس؛ ليسقطوه من أعين الناس، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»[9].

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــ
[1] مكارم الأخلاق في القرآن الكريم ليحيى المعلمي، ص 333، نقلاً عن كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/4604).
[2] تفسير الطبري (11/390).
[3] تفسير الطبري (11/293).
[4] ص 529، برقم 4875، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (3/923) برقم 4080.
[5] ص29، برقم 30.
[6] تفسير ابن كثير (7/247).
[7] تفسير القرطبي (15/95).
[8] ص 1009، برقم 5091.
[9] ص 1035، برقم 2564.