السبت، 27 أكتوبر 2012

آه يا أنا أثقلتِني بالوجع

آه يا أنا أثقلتِني بالوجع
آه يا أنا دوت في قلبي الولع
حتى جنباته المُنهكة لا تكلُّ من الذكرى
العيون حائرة
أحقاً هي تائهة في جمال خديها
لا ليست تلك حقاً أنا أكذب
وحيناً أخرى بينما الريهام يملأ المكان
إذ بي أتذكر ! مهلاً يا أنا
أنتِ حقاً لن تُخبريهم
حقاً حينما دخلتُ القفص "عصفورٌ أنا "
ذهبياً هو مليءٌ بالفرح
حقاً يا أنا حدثيهم هنا
عن هيامٍ بالأسماء تغزو القلب أيا همس المحبة

حوراءٌ هي كماء الورد إذ يُرى
حقاً يا أنا هنا للقلبِ مُتنفس ...

بقلمي ..."بمناسبة الخطوبة"

بريق الخير


بريق الخير


بسم الله وحده، صدَق وعْدَه، نصر جنده، هزم الأحزاب وحده؛ والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومَن اتبع هَدْيَه؛ فكانوا عضدَه وزندَه، وخير قوم بعده؛ التزموا أمره، واجتنبوا نهيه؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم، وسدَّد في الخير مسعاهم، وأثاب سعيهم وخطاهم.

وبعد:
فإن الخير كلمة جامعة لكل جميل؛ شاملة لكل فعل نبيل؛ محيطة بأسوار الإحسان والرحمة والعمل الفضيل، لها شذًى فوَّاح، وعطر يُحْيي الأرواح، وهو - أي الخير - نقيض الشر، ومن فروعه الاختيار؛ لأن فاعله يختاره ويريده بدلاً من غيره؛ كالشر، أو كف المعروف عن الناس، كما أن هيبته هيبة ساكنة في القلوب؛ إذ يحبه الناس، على اختلاف عقائدهم ومِلَلهم، لكن بدرجات متفاوتة؛ فمنهم مَن يحبه جهده فيملأ به فكره ووقته؛ ومنهم مَن يهوى عمله في مواسم خاصة؛ ومنهم مَن يقل منه لكن يحترم أهله وفاعليه، ومنهم مَن يكاد لا يفعله إلا قليلاً.

حثَّ دين الحق على الخير والمسارعة فيه وإليه؛ حيث قال النصير المولَى، الكبير الأعلى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال عن أهل الفضل والفلاح: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، وقال النبي المصطفى والسراج المقتفى - صلى الله عليه وسلم - كما فيحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف على أناس جلوس، فقال: ((ألا أخبركم بخيرِكم من شركم؟!))، قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله، أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: ((خيرُكم مَن يُرجَى خيره، ويؤمن شره، وشركم مَن لا يُرجى خيره، ولا يؤمن شره))؛ صححه الألباني في صحيح الجامع.

وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن يألَف ويُؤلَف، ولا خير فيمَن لا يألف ولا يؤلَف، وخير الناس أنفعهم للناس))؛ حديث رقم: 6662 في صحيح الجامع.

وكما أن كلمة الخير كلمة برَّاقة ناصعة؛ فإن فِعْل الخير ومزاولته أنصع وأروع؛ لأن فعله يروي القلوب الحسيرة الكسيرة؛ ويبهج النفوس المهمومة المخمومة؛ ويُثلِج الصدور التي سكنها الغمُّ، فجعلها تتنفَّس من أضيق من سَمٍّ.

فكم مِن يتيم ضاقتْ به الدنيا، وأظلمتْ عليه بسواد قاتم، وحزنٍ قائم، وفقر عاتم! فرأى أن الناس نسوه، وأن الأحباب جَفوه، وأن الناس بالدون رَمَوه، فصارتْ حياته ظلامًا كالحًا، وصار على جواد الوحدة راكبًا، تخنقه الأحزان مِن كلِّ جانب، وتقتل الوحشة منه القلب، وتفت الوحدة له أيام العمر؛ حتى ناصب الدنيا العداء، وكره الناس، كره الوباء، وظن أنه طريد شريد، قدره الاضطهاد والعناء؛ فهو لا يزال كذلك حتى هيأ له ربُّ الأرض والسماء أناسًا من أهل الخير والعطاء، مسحوا دموعه اليتيمة، وضمدوا جراحه الأليمة، فإذا به ينسى أنه يتيمٌ مسكين، وأنه صاحب القلب الحزين، فأعادتْ إليه نفحاتُ الخير رجلينِ يَمشِي بهما في مضمار الحياة مع الناس؛ بل أرجلاً يسابق بها غيرَه، عددها بعدد أهل الخير الذين يقفون بجانبه.

وكم من مسكين عضَّه الفقر عضًّا، وأجهز عليه إجهازًا! ومن ثقله عليه اتخذ له عكازًا، حقيقة أو مجازًا، فلا يزال يُعانِي ولا أحد يحس به؛ يقاسي ولا أحد يعلم به؛ يصرخ قلبه ولا أحد يسمع صراخه؛ يبكي ولا أحد يرى دموعه؛ يَئِنُّ ولكن في داخله، فلا أحد يسمع أنينه؛ حتى هبَّت عليه نسمات الخير أرسلها الكريم الجَوَاد، ثم ساقها إليه أهل الصفاء والبر من العباد، فإذا بالفرح يَغمُر قلبه بعد حزن طويل، وإذا ببريقِ السرور يشع في عينيه بعد الذبول.

وكم من طفل عائل حسير، في ظلمة حرمانه يسير! يخاف من يوم العيد بقدر ما يفرح به أصحابه، ويكره الخروج في يومه بقدر ما يهوى اللعب في ذلك اليوم أقرانُه وجيرانه؛ فكسوته رثَّة قديمة، ولباس غيره في ذلك اليوم جديد؛ وحذاؤه وسخ مثقوب، بينما يتفاخر الأطفال في الشارع بجمال أحذيتهم وغلائها، كلما سَمِع هُتَافَات فرح الأطفال في الخارج، زاد ارتعادًا وحزنًا، وكلما سمع قرع أحذيتهم لزم ركن الغرفة وانكمش، وقد اغرورقتْ عيناه بالدمع، وأطبق سواد الفقر على جنبات نفسه، لا يزال كذلك حتى يسمع قرعًا خفيفًا لطيفًا على الباب؛ فيرتعد ويَرتَجِف خوفًا من أن يراه أحد، وما هي إلا لحظات حتى تأتِي الأم الحنون، وقد اختلطتْ في عينيها دموع الفرح بدموع الأسى على حال ابنها؛ تأتي مهرولة بكسوة العيد، وليس فيها إلا الجميل والجديد، جاء بها أهل الخير والقلوب النقية؛ فيطير الطفل فرحًا، ويرقص مرحًا، ثم يخرج جريًا إلى أصحابه جاريًا متباهيًا وبريق السعادة والبراءة يشع في عينيه، وكم...! وكم...! غير هذا وذاك.

إن جمال الخير يَغمُر فاعله أيضًا فيفيد ويستفيد، فمَن عَمِل الخير لوجه الله؛ رزقه الله أنسًا في قلبه، وفرحًا في داخله، وبهجة تغمر جوارحه، حتى إن بعض أهل الخير - ممن أفئدتهم كأفئدةِ الطير نقاء وصدقًا - ليحس وكأنه يطير حقًّا؛ يطير في سماء البهجة والراحة النفسية التي ليس لها مثيل؛ ناهيكَ عن الأجر الذي ينتظره في الآخرة؛ فليس يعلمه إلا مَن هيَّأ له أسباب الخير؛ ودلَّه عليها، ثم وفَّقه إليها.

فما أجملَ كلمة الخير! وما أجمل فعلها! بل وما أشدَّ بريقها وضياءها! فالله الله إلى المسارعة في فعل الخير، والمسابقة في أعمال البر، فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/45619/#ixzz2AUMsI5ck

بريق الخير


بسم الله وحده، صدَق وعْدَه، نصر جنده، هزم الأحزاب وحده؛ والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومَن اتبع هَدْيَه؛ فكانوا عضدَه وزندَه، وخير قوم بعده؛ التزموا أمره، واجتنبوا نهيه؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم، وسدَّد في الخير مسعاهم، وأثاب سعيهم وخطاهم.

وبعد:
فإن الخير كلمة جامعة لكل جميل؛ شاملة لكل فعل نبيل؛ محيطة بأسوار الإحسان والرحمة والعمل الفضيل، لها شذًى فوَّاح، وعطر يُحْيي الأرواح، وهو - أي الخير - نقيض الشر، ومن فروعه الاختيار؛ لأن فاعله يختاره ويريده بدلاً من غيره؛ كالشر، أو كف المعروف عن الناس، كما أن هيبته هيبة ساكنة في القلوب؛ إذ يحبه الناس، على اختلاف عقائدهم ومِلَلهم، لكن بدرجات متفاوتة؛ فمنهم مَن يحبه جهده فيملأ به فكره ووقته؛ ومنهم مَن يهوى عمله في مواسم خاصة؛ ومنهم مَن يقل منه لكن يحترم أهله وفاعليه، ومنهم مَن يكاد لا يفعله إلا قليلاً.

حثَّ دين الحق على الخير والمسارعة فيه وإليه؛ حيث قال النصير المولَى، الكبير الأعلى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال عن أهل الفضل والفلاح: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، وقال النبي المصطفى والسراج المقتفى - صلى الله عليه وسلم - كما فيحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف على أناس جلوس، فقال: ((ألا أخبركم بخيرِكم من شركم؟!))، قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله، أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: ((خيرُكم مَن يُرجَى خيره، ويؤمن شره، وشركم مَن لا يُرجى خيره، ولا يؤمن شره))؛ صححه الألباني في صحيح الجامع.

وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن يألَف ويُؤلَف، ولا خير فيمَن لا يألف ولا يؤلَف، وخير الناس أنفعهم للناس))؛ حديث رقم: 6662 في صحيح الجامع.

وكما أن كلمة الخير كلمة برَّاقة ناصعة؛ فإن فِعْل الخير ومزاولته أنصع وأروع؛ لأن فعله يروي القلوب الحسيرة الكسيرة؛ ويبهج النفوس المهمومة المخمومة؛ ويُثلِج الصدور التي سكنها الغمُّ، فجعلها تتنفَّس من أضيق من سَمٍّ.

فكم مِن يتيم ضاقتْ به الدنيا، وأظلمتْ عليه بسواد قاتم، وحزنٍ قائم، وفقر عاتم! فرأى أن الناس نسوه، وأن الأحباب جَفوه، وأن الناس بالدون رَمَوه، فصارتْ حياته ظلامًا كالحًا، وصار على جواد الوحدة راكبًا، تخنقه الأحزان مِن كلِّ جانب، وتقتل الوحشة منه القلب، وتفت الوحدة له أيام العمر؛ حتى ناصب الدنيا العداء، وكره الناس، كره الوباء، وظن أنه طريد شريد، قدره الاضطهاد والعناء؛ فهو لا يزال كذلك حتى هيأ له ربُّ الأرض والسماء أناسًا من أهل الخير والعطاء، مسحوا دموعه اليتيمة، وضمدوا جراحه الأليمة، فإذا به ينسى أنه يتيمٌ مسكين، وأنه صاحب القلب الحزين، فأعادتْ إليه نفحاتُ الخير رجلينِ يَمشِي بهما في مضمار الحياة مع الناس؛ بل أرجلاً يسابق بها غيرَه، عددها بعدد أهل الخير الذين يقفون بجانبه.

وكم من مسكين عضَّه الفقر عضًّا، وأجهز عليه إجهازًا! ومن ثقله عليه اتخذ له عكازًا، حقيقة أو مجازًا، فلا يزال يُعانِي ولا أحد يحس به؛ يقاسي ولا أحد يعلم به؛ يصرخ قلبه ولا أحد يسمع صراخه؛ يبكي ولا أحد يرى دموعه؛ يَئِنُّ ولكن في داخله، فلا أحد يسمع أنينه؛ حتى هبَّت عليه نسمات الخير أرسلها الكريم الجَوَاد، ثم ساقها إليه أهل الصفاء والبر من العباد، فإذا بالفرح يَغمُر قلبه بعد حزن طويل، وإذا ببريقِ السرور يشع في عينيه بعد الذبول.

وكم من طفل عائل حسير، في ظلمة حرمانه يسير! يخاف من يوم العيد بقدر ما يفرح به أصحابه، ويكره الخروج في يومه بقدر ما يهوى اللعب في ذلك اليوم أقرانُه وجيرانه؛ فكسوته رثَّة قديمة، ولباس غيره في ذلك اليوم جديد؛ وحذاؤه وسخ مثقوب، بينما يتفاخر الأطفال في الشارع بجمال أحذيتهم وغلائها، كلما سَمِع هُتَافَات فرح الأطفال في الخارج، زاد ارتعادًا وحزنًا، وكلما سمع قرع أحذيتهم لزم ركن الغرفة وانكمش، وقد اغرورقتْ عيناه بالدمع، وأطبق سواد الفقر على جنبات نفسه، لا يزال كذلك حتى يسمع قرعًا خفيفًا لطيفًا على الباب؛ فيرتعد ويَرتَجِف خوفًا من أن يراه أحد، وما هي إلا لحظات حتى تأتِي الأم الحنون، وقد اختلطتْ في عينيها دموع الفرح بدموع الأسى على حال ابنها؛ تأتي مهرولة بكسوة العيد، وليس فيها إلا الجميل والجديد، جاء بها أهل الخير والقلوب النقية؛ فيطير الطفل فرحًا، ويرقص مرحًا، ثم يخرج جريًا إلى أصحابه جاريًا متباهيًا وبريق السعادة والبراءة يشع في عينيه، وكم...! وكم...! غير هذا وذاك.

إن جمال الخير يَغمُر فاعله أيضًا فيفيد ويستفيد، فمَن عَمِل الخير لوجه الله؛ رزقه الله أنسًا في قلبه، وفرحًا في داخله، وبهجة تغمر جوارحه، حتى إن بعض أهل الخير - ممن أفئدتهم كأفئدةِ الطير نقاء وصدقًا - ليحس وكأنه يطير حقًّا؛ يطير في سماء البهجة والراحة النفسية التي ليس لها مثيل؛ ناهيكَ عن الأجر الذي ينتظره في الآخرة؛ فليس يعلمه إلا مَن هيَّأ له أسباب الخير؛ ودلَّه عليها، ثم وفَّقه إليها.

فما أجملَ كلمة الخير! وما أجمل فعلها! بل وما أشدَّ بريقها وضياءها! فالله الله إلى المسارعة في فعل الخير، والمسابقة في أعمال البر، فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.

الجمعة، 21 سبتمبر 2012

القدوة الحسنة في القرآن الكريم


القدوة الحسنة في القرآن الكريم
إنَّ موضوع القدوة  من المواضيع المهمة جدًّا في حياة البشرية،
 فالقدوة الحسنة هي الركيزة في المجتمع، وهي عامل التحوُّل السريع الفعَّال، فالقدوة عنصر مهم في كلِّ مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمَسِّ الحاجة للاقتداء بالنماذج  الحيَّة، كيف لا وقد أمرَ الله نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالاقتداء، فقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ  قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ  [الأنعام: 90].

وتشتدُّ الحاجة إلى القدوة الحسنة كلَّما بَعُد الناس عن الالتزام بقِيَم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، كما أنَّ الله - عزَّ وجل - حذَّر من مخالفة القول الفعلَ الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ  [الصف: 2 - 3].

وقد عُرِّفت القدوة بأنها: "إحداث تغيير في سُلُوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه، عن طريق القدوة الصالحة؛ وذلك بأن يتَّخذ شخصًا أو أكثر يتحقَّق فيهم الصلاح؛ ليتشبَّه به، ويُصبح ما يطلب من السلوك المثالي أمرًا واقعيًّا ممكنَ التطبيق".

ودين الإسلام دين القدوة، وأصحاب الهِمم العالية هم الذين يسعون ليكونوا قدوة حسنة، وأعظم قدوة في الإسلام هم الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وعلى رأسهم نبيُّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولذلك جعَله الله لنا أُسوة وقدوة، بل وأمرنا بذلك، فقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  [الأحزاب: 21].

يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: "في الآية دلالة على فَضْل الاقتداء بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنه الأسوة الحسنة لا مَحالة".

وقال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبيرٌ في التأسِّي برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أقواله وأفعاله وأحواله".

قال - سبحانه وتعالى - في سورة الأنعام بعد أن ذكَر ثمانية عشر نبيًّا: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ  [الأنعام: 90].

وهذا يدلُّ على عِظَم أثر القدوة في تشكيل الشخصيَّة الإنسانيَّة، ويُرجع الميداني هذا التأثير إلى عدة أسباب ركَّز عليها الإسلام؛ منها:
1- أن في فطرة الإنسان ميلاً قويًّا للاقتداء.
2- أنَّ المثال الحي الذي يتحلَّى بجُملة من الفضائل السلوكيَّة، يُعطي غيرَه قناعة بأن بلوغَها من الأمور التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
3- أن المثال الحي المرتقي في درجات الكمال السلوكي، يُثير في الأنفس الاستحسان والإعجاب.

فالقُدوة الحسنة هي المحرِّك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمَن جعَل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بدَّ أن يتأسى به في كلِّ صفاته، فالقدوة المؤثرة مثال حي للارتقاء في درجات الكمال، فهو دائمًا يطلب الكمال ويطلب المعالي، فهو بذلك مثارٌ للإعجاب والتقليد من الناس؛ لأن التأثُّر بالأفعال والسلوك أبلغُ وأكثر من التأثر بالكلام والأقوال، وهذا ما أكَّده سيِّد قطب بقوله: "كانت سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحياته الواقعيَّة - بكلِّ ما فيها؛ من تجارب الإنسان، ومحاولات الإنسان، وضَعف الإنسان، وقوة الإنسان - مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية، مُرتقية بها خُطوة خطوة؛ كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه، فكانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة، يراها ويتأثر بها مَن يريد القدوة الميسرة، العملية الواقعيَّة، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات".

فالقدوة لها دورٌ كبير في إعلاء الهِمم وإصلاح المسلمين، فمَن كان عالي الهِمَّة اقتَدى به غيره، فأصلَح نفسه وأصلَح غيره.

يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا  [الفرقان: 74]، ففي هذه الآية يريد الله - عز وجل - من المسلمين التطلُّع للأفضل وإلى أعلى المقامات، وانظر لَم يقل - سبحانه -: واجعَلنا في المتقين، ولكنَّها تربية للمؤمنين على الهِمَّة العالية، وأن يكونوا مثل إبراهيم - عليه السلام - يطلب إمامةَ المتقين؛ يقول شيخ الإسلام: "أي: فاجْعَلنا أئمَّة لِمَن يَقتدي بنا ويأْتَمُّ، ولا تَجعلنا فتنة لمن يضلُّ بنا ويشقى".

ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: أَوْصِلنا يا ربَّنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصِّديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتَّقين في أقوالهم وأفعالهم، يُقتدى بأفعالهم، ويُطمَأَنُّ لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم، فيهدون ويهتدون؛ ولهذا لما كانت هِممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا  [الفرقان: 75].

فلله، ما أعلى هذه الصفات! وأرفع هذه الهِمم! وأجَلَّ هذه المطالب! وأزكى تلك النفوس! وأطهرَ تلك القلوب! وأصفى هؤلاء الصفوة! وأتقى هؤلاء السادة!

ومِنَّة الله على عباده أن بيَّن لهم أوصافهم، ونعَت لهم هيئاتهم، وبيَّن لهم هِمَمهم، وأوضحَ لهم أجورهم؛ ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويَبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي مَنَّ عليهم وأكرَمهم - الذي فضلُه في كلِّ زمان ومكان، وفي كلِّ وقتٍ وآن - أن يَهديَهم كما هداهم، ويتولاَّهم بتربيته الخاصة كما تولاَّهم".

فالقدوة الحسنة نموذج إنساني حيٌّ، يعيش ممثِّلاً ومُطبِّقًا لذلك المنهج الرباني الذي جاء به القرآن، ومن هؤلاء القدوة إبراهيم - عليه السلام - لأن الله - عزَّ وجل - امتدَحه وأثنى عليه في هذه الصفة، فكان قدوة يُقتدى به؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ  [البقرة: 124]، قال الجزائري: "إمامًا: قدوة صالحة يُقتدى به في الخير والكمال".

وقال ابن كثير: "فقام بجميع الأوامر وترَك جميع النواهي، وبلَّغ الرسالة على التمام والكمال، ما يستحق بهذا أن يكون للناس إمامًا يُقتدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله".

فلا شكَّ ولا ريبَ أنَّ القدوة الحسنة من أعظم ما يرفع الهِمَّة، فمَن اتَّصف بمَن حوله، أو كان هو قدوة حسنة في نفسه، اهتمَّ بالأخلاق الفاضلة، وتحلَّى بها، فكان ذلك له دافعًا لعُلوِّ الهِمَّة.

فالحريص الموفَّق الذي يروم المعالي، لا نراه إلاَّ مع أصحاب الهِمم العالية، من القدوات الربَّانية الصالحة، فسيكون منهم أو قريبًا منهم.

ومن القدوات الحسنة التي ذكَرها القرآن الكريم نموذجًا للقدوة الحسنة:
ذو القرنين؛ حيث حوَّل المجتمع النظري إلى حقيقة واقعة تتحرَّك في واقع الأرض، وترجَم - بسلوكه وعُلوِّ هِمَّته وتصرُّفاته - مبادئ المنهج ومعانيه، ووضَع في شخصه صورة القدوة الحيَّة للقائد الصالح المُصلِح.

وذو القرنين رجل آتاه الله - سبحانه وتعالى - التمكين والقوة والأسباب، وعُلو الهِمَّة والطموح المحمود؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا  [الكهف: 84]؛ أي: أقْدَرناه بما مهَّدنا له من الأسباب، وجعَلنا له مُكنة وقُدرة على التصرُّف فيها، والتمكين: هو تمثيل لقوة التصرُّف بحيث لا يُزعزع  قوَّته.

فذو القرنين أُوتي من كلِّ شيء يحتاجه أُولو القوة والحُكم، لكنه لَم يَستخدم هذا العطاء في الترف والشهوات، وإنما استخدمه في السعي والحركة في قضاء حوائج الناس، فكان بهذا السلوك ترجمة عملية بشريَّة حيَّة للمنهج الرباني.

فقد فُطِر الناس على افتقاد القدوة والبحث عن الأسوة؛ ليكون لهم نبراسًا يُضيء سبيل الحق، ومثالاً حيًّا يُبيِّن لهم كيف يطبِّقون شريعة الله؛ لذلك لَم يكن لرسالات الله من وسيلة لتحقيقها على الأرض، إلاَّ إرسال الرُّسل، يُبَيِّنون للناس ما أنزَل الله من شريعته.

قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا  [الكهف: 94].

فلو لَم يكن ذو القرنين قدوة حسنة للناس باشتهاره في فِعل الخيرات، لَما طَلبوا منه أن يَقيَهم من الفساد، وهكذا اقترَن في مكان واحد القدوة الحسنة والحماية من الفساد؛ أي: إنَّ القدوة الحسنة والإصلاح أمران متلازمان، فالقوم بمجرَّد رؤيتهم ذا القرنين - الذي هو نموذج القدوة الحسنة التي دَفعته لعلُو الهِمَّة وطلب الكمال - طلبوا منه إصلاحَ أمرهم بمَنْعه يأجوجَ ومأجوج من الإفساد في الأرض.

ثم قال ذو القرنين: ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا  [الكهف: 95]، وبقوله: ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ : أراد تسخيرَهم للعمل، وتنشيطهم وتفعيل إرادتهم، وإذا هم فعَلوا ذلك، فهو أوَّلهم إقبالاً إلى مباشرة العمل؛ ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ، وتقديم إضافة الظرف إلى ضمير المخاطبين على إضافته إلى ضمير يأجوج؛ لإظهار كمال العناية بمصالحهم، ﴿ رَدْمًا : حاجزًا حصينًا، وبَرزخًا مَتينًا، وهو أكبر من السَّد وأوثق، يقال: ثَوبٌ مُردَّم؛ أي: فيه رقاع فوق رِقاع، وهذا إسعاف بمرامهم فوق ما يرجونه.

وبمثل هذه الصفات التي اتَّصف بها ذو القرنين، وأنجَز بها من نفسه القدوة الحسنة، يكون تغيير المجتمع وإصلاحه نحو الخير أمرًا حتميًّا؛ لأن العقل إذا اقترَن بالقدوة الحسنة، نتجَت من هذا الاقتران عُلوُّ الهِمَّة والعزيمة الصادقة التي هي المحرِّك للتغيير.

لذا قاوَم ذو القرنين - لَمَّا عَلِم أنه قدوة لقومه - ذلك الفساد والظلم بعُلو هِمَّته، وقوة عزيمته، ولَم يكتف ذو القرنين بأن يُقاوم هذا الظلم بنفسه، بل طلب الإعانة؛ لأنَّ إفساد يأجوج ومأجوج كان إفسادًا جماعيًّا، فلا بدَّ أن يُقابله إصلاح جماعي، فانظر كيف أنَّ القدوة الحسنة دافعٌ للإنسان للعمل والجد، وطلب معالي الأمور، فبالإيمان الحقيقي الذي يحمله ذو القرنين، ترجَم لنا معنى المسارعة للخيرات وحبَّ العمل، وعُلوَّ الهِمَّة في الدنيا والآخرة.
لــ
عبدالعزيز سالم شامان الرويلي

الاثنين، 30 يوليو 2012

بعثرة روح

بعثرة روح

الروح في ذاك الجسد تتكلم
والقلب يمسي للصبح يتألم
رقراق الوجه مدرار الدمع
في جوف القمر في بطن الشمس
والآه لا زالت تتكلم
اين المبيت اين الصديق
اين من بالوفاء يترنم
جحدوا علي في كل مصيبة
تترى المصائب يميني كأنها
إياك صدقا صديق وبك تترنم
والروح لا زالت تتكلم
بعثرة الماضي تتلاشي
ضحكات ٌ
همساتٌ

عذرا أنها خربشات
ما الدليل واين السبيل
بوصلتي ما عادت تقوى
للعالم تنشد اين التقوى
شداني الصوت القادم
من بطن الليل القاتم
أنا قادم

أنا قادم
أنا قادم
ما دمت لي ناظر

لا عليك
كن أنت المؤذن
وسترى النور قادم

خربشات قبل لحظات


بقلمي

الخميس، 19 يوليو 2012

ليلة بذاتها وذواتها

بينما تستعر قلوب الناس قبل أبدانهم من شدة الظلم والحر معا ,هنا كنت أحدهم , عندها كانت اللحظة الفارقة ! ,أدركت حينها حجم المؤامرة فلا الشمس تدنوا من كف القمر ولا الليل سابقٌ ذاك النهار , وهنا كان لابد لي من جلسة سمر ...! ,وهل هناك سمر هل أنت مجنون ؟! نعم مهلا رفقاً بي قليلا لا تستعجل المطر فبدون دورته لن تجني الثمر ... جلست أداعب السمر مرة أخرى بعد أن قطعه ذاك الهاجس المزدجر ففي غرفتي مروحة صغيرة تعمل مباشرة عند انقطاع التيار الكهربائي وضوء يعمل عند الحاجة وكذلك أيضا ذخيرة الاب توب والإنترنت معا , لكن مهلاً قلت أنك معهم منذ البداية لماذا أنت الآن تهرب , "تستعر قلوب الناس قبل أبدانهم من شدة الظلم والحر معا" ها أنا أستعرض من جديد علك نسيت أقرأ وتمعن القلب قبل البدن الظلم قبل الحر , فلو كانت القلوب مستكينة راضية بقضاء الله وقدره صابرة محتسبة هذا الأمر وتلك المحنة لوجه الله عز وجل ولو أنها استوعبت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصلنا إلى تلك النغمة الأولى ولحددنا حينها أين وكر الطغاة وأين حصن المجاهدين " حينها تكون قد أثلجت صدرك وقهرت الظلم والظلام . 

تلك كانت أحدى ذواتها ... ذاتها 
بقلمي

الاثنين، 16 يوليو 2012

ماذا بعد التخرج؟


بسم الله الرحمن الرحيم
همٌّ يشغله، وقلق يُؤرِّقه، يفكر في المستقبل وحوادثه، وينظر للقادم ويرقبه!

هذا الهم قد نمدحه وقد نمقته!


فإن كان هذا الهمُّ وقودًا يشعل حماسَه، ويلهب عزيمته، ويَمُدُّه بالمزيد من العطاء في دراسته، نشكره ونقدره ونساعده.

وإن كان هذا الهم يشغله عن دراسته، ويثبط عزيمته، ويُضيِّع وقته ويرهقه، نحذره وننصحه.

هذا حال بعض طلابنا! حين يصل للصف الثالث في المرحلة الثانوية، يفكر كيف يكون حاله في المرحلة الجامعية؟ ويُخطط لأمور تيسر له الفرصة.

يفكر في المستقبل وهذا أمرٌ جيد، وليكن مع التفكير تخطيط، وقبل التخطيط دافع يحركه وكبير ينصحه، ورفيق يأخذُ مشورته، وهدفٌ يلوح أمامه يراه ويرقبه.

هموم كثيرة، فتحديد التخصص هَمٌّ يُؤرِّق البعض، فلم يستقرَّ على تخصص معين، ولا يعلم أيَّ تخصص يطرق بابه؟ وأي طريق يسلكه؟ تجده محتارًا في أمره، قلقًا في تفكيره، متوترًا في تصرفاته.

دخلتُ أحد فصول الصف الثالث ثانوي، بادرتهم بالسلام وخضت في الأماني والأحلام، نعم قد تكون أحلامًا، ولكن سهلة التحقيق لمن اجتهد، وقبل ذلك استعان بمن لا يُخيِّب رجاء عبدِه ولا يضيع من دعاه.

كان السؤال: ما أهدافُكم؟ مشاريعكم المستقبلية؟ فلم أجد سوى أهداف لا تستحق كلمة أهداف، بل هي حاجات وضرورات، وهذا حال بعضهم.

بادرتهم: مَن حدَّد التخصص، وخطَّط لما بعد التخرج؟ فكان العددُ القليل مَن حدد، والكثير لم يُحدد!

ناقشتهم: قد تغلق دونك الأبواب فما البديل؟ فردَّدوا: يا أستاذ، لِمَ التهويل؟

أحبتي الأبناء:

إنَّ هذه المرحلة وأقصد المرحلة الثانوية هي عصارة سنوات سابقة، ففي الصف الأول مرحلة ما قبل التخصص، تكون نافذة لدراسة بعض المواد التي تنمي قدراتِ الطالب، والصف الثاني هو مرحلة التخصص، ومنه يبدأ التجهيز للمرحلة القادمة.

لذا؛ كان من مهام المدرسة والبيت توجيه الطالب التوجيهَ السليم في هذه المرحلة، ومساعدته على اختيار التخصص الذي يريده، نطالبه بالاجتهاد وبذل الكثير من الوقت والجهد للحصول على المادة العلمية فهمًا وتطبيقًا، وتقديم اختبارات متميزة، ونطالبه أيضًا بسؤال نفسه: ما التخصُّص المناسب لقدراتي؟ ما التخصص الذي أرغب فيه؟

الرغبة هي المحرك الأول لتحديد التخصص، ثم القدرة؛ لذلك كان على الطالب أن يعرف قدراته ومواهبه، وألا يكونَ اختيارُه للتخصص تقليدًا لصديق، فما هو مناسب لغيرك ليس بالضرورة مناسبًا لك.

استشر وناقش وابحث حتى تجد ضالتك وتجد رغبتك، ابحث عن الخطة الدراسية للتخصُّص الذي ترغب فيه، اسأل طالبًا تعرفه يدرس هذا التخصص؛ لكي تكونَ الصورة واضحة أمامك، وتعطيَك مساحة أكبر للتفكير واختيار القرار المناسب، ولا تقف أمام رغبة واحدة، حدِّد لك ثلاثةَ تخصُّصات، ووطن نفسك لجميع الظروف، فإن لم يكتب لك القبول في تخصص، فالنفسُ قد تهيأت للآخر، وهكذا.

وبعد أن تُحدِّد التخصص؛ لتكونَ لك نظرة مستقبلية، ما فُرَص ما بعد الجامعة لهذا التخصص؟ أعني الفرصَ الوظيفية؛ لتحقِّقَ أحلامك وتخدم وطنك، ما فرصُ إكمال الدارسة إن كنت طَمُوحًا لتحقيق أعلى الدرجات العلمية؟ إنَّ هذا السؤال والبحث عن إجابته يعطيك دافعية أكبر لاختيار تخصُّص ما، أو يعطيك وقتًا للبحث عن تخصص أفضل.

ابني الحبيب:

إن رسم صورة للمستقبل تساعدك على الجد والاجتهاد، وهو ما يسمى بالهدف، وتحديده وقياسه، ومتى ما عوَّد الطالبُ نفسه على تحديد أهدافه، سواء قصيرة المدى أو بعيدة المدى، وثابر لتحقيقها وحقَّقها، رسمت له لوحة مليئة بالتفاؤل للمرحلة القادمة، وزادت من همِّته وحماسه.

ابني الحبيب:
قد تبذل الجهد وتصدم أمام مشكلة ما، فلا تقفْ كثيرًا عندها وتجاوزْها، وكن على يقين تام أنَّ اختيارَ الله لك خير من اختيارك، بعد أن تبذل كلَّ ما تستطيع، فإن كتب الله لك القَبولَ في الجامعة فجميل، وإن التحقتَ بتخصُّص ترغبه فرائع، وإن حصل القَبولُ، ولم يُكتَب لك التخصص، فلا تحبط واثبت وجودَك، وحاول أن تكيف نفسك، وتُوطِّن الرضا في قلبك.

وإن كنت خارج أسوار الجامعة، فلم يكتب لك القبول؛ لأسبابٍ قد تكون أنت من أوجدها، كالنسبة في المرحلة الثانوية، أو اختبار القدرات أو غيره، فلُمْ نفسَك قليلاً، فهي تحتاج إلى العتاب، ولكن لا تكسرها، ولا تجلس أمام أسوار الجامعة تَذْرِف الدمعات، وتُصْدِر الآهات، تذكَّر أن هناك أبوابًا متعددة تنتظرك؛ فالكليات العلمية أو التقنية متاحة.

من المستحيل أن يكون الجميع في كلية الطب، ومن الطبيعي ألا يكونَ الجميع في كلية الهندسة، فهناك مجالات أخرى والمجتمع يحتاج الجميع.

في الختامتذكر أن تعلُّقَك بالله، وتوكُّلَك عليه، والإلحاح في الدعاء، و محافظتك على صلاتك، وبرك لوالديك، وتقديم العون للجميع - هي مفاتيحُ للسعادة في الدنيا والآخرة، فحافظ عليها، أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يوفِّقَك ويسعدك ويرضيك.

همسة محب:

العلم نور يضيء لك الطريق؛ لتسير في هذه الحياة، وتجتازها لحياة أبدية، وعيش دائم، فلا تحجب هذا النور عن قلبك، العلم طريق لرقي المجتمع وتطوره، والدين الإسلامي حَثَّ على العلم وطلبه، فالطبيب والمهندس وغيرهم يُسْهِمون في نهضة الأمة.

معلمك ومحبك
أ. عبدالله بن محمد بادابود
تنسيق محبكم حسام