الثلاثاء، 3 مايو 2011

لا فلاح للمفترين

لا فلاح للمفترين:
يقول المولى - عزَّ وجلَّ - لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يونس: 65]، لا يحزنك قولُ هؤلاء المشركين، واستَعِن بالله عليهم، وتوكَّل عليه؛ فإنَّ العزَّة لله جميعًا؛ أي: جميعها له ولرَسوله وللمؤمنين ﴿ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ؛ أي: السميع لأقوال عباده، العليم بأحوالهم.

ويقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [يونس: 69].

لا يفلحون أيَّ فلاح؛ لا يفلحون في شِعبٍ ولا طريق، لا يفلحون في الدنيا ولا في الأخرى، والفلاح الحقيقي هو الذي ينشَأ من مسايرة سنن الله الصحيحة، المؤدِّية إلى الخير وارتِقاء البشر، وصلاح المجتمع، وتنمية الحياة، ودفعها إلى الإمام، وليس هو مجرَّد الإنتاج المادي مع تحطُّم القِيَم الإنسانيَّة، ومع انتِكاس البشَر إلى مَدارِج الحيوانيَّة، فذلك فَلاحٌ ظاهري موقوت، منحرف عن خطِّ الرُّقيِّ الذي يصل بالبشريَّة إلى أقصى ما تُطِيقُه طبيعتها من الاكتمال.

يقول - تعالى - مُخبِرًا عن حَقارة الدُّنيا، وما فيها من الزِّينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنِّسبة إلى ما أعدَّه الله لعباده الصالحين في الدار الآخِرة من النَّعِيم العظيم المُقِيم، ﴿ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس: 70]، مجرَّد مَتاع واطٍ، وهو مَتاع قصير الأمد، وهو مَتاع مقطوع؛ لأنَّه لا يتَّصل بالمتاع اللائق بالبشريَّة في الدار الآخِرة، إنما يعقبه العذابُ الشَّديدُ؛ ثمرةً للانحِراف عن سنن الله الكونيَّة المؤدِّية إلى المتاع العالي اللائق ببني الإنسان.

ومثله من الآيات: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 77].
﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل: 117].

﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [الأنبياء: 111].

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص: 60 - 61].

﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر: 39].

إنها النَّظرة السطحيَّة القريبة، والمفاضلة بين هذا وذاك تَحتاج إلى عقلٍ يُدرِك طبيعة هذا وذاك، ومن ثَمَّ يَجِيء التعقيب في هذه الصِّيغة للتَّنبيه لإعمال العقل في الاختيار!

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص: 61]، فهذه صفحة مَن وعده الله وعدًا حسنًا فوجَدَه في الآخرة حقًّا وهو لا بُدَّ لاقِيه، وهذه صفحة مَن نالَ مَتاع الحياة الدنيا القصير الزهيد، ثم ها هو ذا في الآخِرة مُحضر إحضارًا للحساب، والتعبير يُوحِي بالإكراه ﴿ مِنَ الْمُحْضَرِينَ الذين يُجاء بهم مُكرَهين خائفين، يودُّون أن لم يكونوا محضرين؛ لما ينتظرهم من وَراء الحساب على ذلك المتاع القصير الزهيد!

مع هذا أيكون مَن هو مؤمن مُصدق بما وعده الله على صالح أعماله من الثواب الذي هو صائر إليه لا محالة، كمَنْ هو كافرٌ مُكذِّب بلقاء الله ووَعده ووعيده، فهو ممتَّع في الحياة الدُّنيا أيَّامًا قلائل، ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص: 61]، قال مجاهد وقتادة: من المعذَّبين، في يومٍ عصيبٍ شديدٍ على كلِّ ظالم يوم يُنادَى عليهم ليُحاسَبوا على ظُلمهم وبَغيِهم.
                                
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: 62]، إنَّه نِداء التوبيخ والتقريع والخزي والفضيحة على رُؤوس الأشهاد.

ليست هناك تعليقات: