الأحد، 12 يونيو 2011

الإعجابُ الفكري



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يقتصرُ الإعجابُ كظاهرةٍ من الظواهر على الإعجاب العاطفي فحسب، بل إنَّ من الإعجابِ ما هو إعجابٌ فكري؛ بمعنى: أنَّ نُشُوءَ الإعجابِ الفكري مبني على لسانِ القلم؛ إذ هو أحدُ اللسانين - كما تقولُ العرب - فسلاسةُ الأسلوب، وحسنُ المنطق، وقوةُ الحجاج العقلي، وجودةُ الفهم، وما إلى ذلك - تعدُّ من أسبابِ هذه الظاهرة.
وهذا الإعجابُ الفكري له جذورُه الخاصة به، والتي تختلفُ في متانتِها وصلابتِها وقوةِ تأثيرِها ما يفوقُ به أنواعَ الإعجابِ الأخرى.
ولعلَّ اختلافَ المداخل هو سرُّ هذا التباين؛ إذ مداخلُ الإعجابِ تتنوعُ بحسب حاسَّةِ النقل من جانبٍ، والمعطى الإعجابي من جانبٍ آخر، فإذا كان السمعُ والبصر له دورُه في هذه القضية؛ فإنَّ وقعَ القلم كأداةِ نقل - لها وزنُها وثقلها - يتقدَّمُ الوسائلَ الأخرى في مدى التأثيرِ والتأثر، فكيف بتلك النواقلِ من السمعِ والبصر والفكر لو اجتمعت في نقلِ تلك المعطياتِ الإعجابية إلى القلب؟
وليس بعزيزٍ على الباحثِ الدقيق المنصف أن يقلِّبَ صفحاتِ التاريخ؛ ليرى أنماطًا تؤكِّدُ ما نحن بصدده.
ويكفيك تفتيشُ "طوقِ الحمامة"؛ لابن حزم الأندلسي، حتى تعلمَ أنَّه أنشأ بنيةَ الطوقِ على مادةِ الحب؛ إذ سلك فيها مسلكَ التدرُّج مضمِّنًا طوقَه أبوابًا في ابتداء الإعجاب.
وفي الإشارةِ إلى خطر مسألتِنا هذه؛ فإنَّ ابن حزم يقول: "لو شاهدتَ مقامَ المحبِّ في اعتذارِه لعلمتَ أنَّ الهوى سلطانٌ مُطاع، وبناءٌ مشدودُ الأواخي، وسنانٌ نافذ"؛ رسائل ابن حزم: (1/171).
وكم من امرأةٍ لها حظُّها من الفكرِ والنظر والتحقيق قد وقعتْ بسبب هذه الحصوةِ أسيرةً لقلمِ فلانٍ من الناس! وكذلك كم من رجل!
وليست المقالةُ تقوُّلاً على أحد من المشاركين والمشاركات بعينه، فحسن الظن بالجميعِ من مطالبِ الشرع الحنيف، وركائزه العِظام، وإنِّي أومنُ أشدَّ الإيمان بالنَّصِّ وفهمِ النص وإسقاط النص؛ ولكنَّها مقالةٌ تولَّدتْ إثرَ قراءتي للسجالِ الفكري بين مثقفين ومثقفات، فأحببتُ أن ألفتَ الانتباهَ إلى قضيةِ الإعجاب الفكري، الذي قد يقعُ فيه بعضُ الناس مع طولِ المثاقفة؛ وأنْ أشيرَ أيضًا إلى أنَّ المشاركةَ للأخواتِ فيما نحن فيه من حراكٍ وسجالٍ ثقافي يجب أن يكون: بقدر.
ومع ما تيسَّرَ إيرادُه وأعان اللهُ على إعدادِه؛ فإنَّه يبقى النظرُ في مدى صلاحيةِ علة المنع (الإعجاب الفكري أو غيره)؛ لأن تكون سببًا لسدِّ باب مشاركةِ المرأة في المسار الدعوي والجهادي للذبِّ عن الدين؛ ذلك أنَّه ما زال نساءُ المسلمين العالمات يكتبنَ ويسألنَ ويتلقَّيْنَ العلمَ عن أهلِه من الرِّجال مع احتماليةِ قيام تلك الآفة، ومع ذا ما سمعنا بسدِّ ذريعةِ المشاركة بتلك العلةِ التي قد تكونُ مظنونةً غيرَ مشاعة.
والحاصلُ المعتبر أنْ تقدَّرَ الأمورُ بقدرِها؛ فالوسطيةُ على اعتبارِ الشيء بين الجيد والرديء، وكذلك هي في كلِّ أمورِ الحياة من تصوراتٍ ومناهجَ ومواقفَ وتحليلات.
ثبَّتَ الله الجميعَ بالقولِ الثَّابت، إنَّه سميعٌ مجيب.
مقالة فكرية للأستاذ جمعان بن محمد الحصيني
لا تنسوني من دعائكم
أعداد حسام الحق

ليست هناك تعليقات: